الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله الدكتور رضا الرمضاني
10.07.2015
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
أبدأ كلامي الیوم بالتسلیة لكلّ المسلمین وكلّ الأحرار في المجتمعات الإنسانیّة بالمأساة العظیمة التي تملأ قلوبنا بالحزن و الأسف بمناسبة وفاة أمیر المؤمنین وصيِّ رسول العالمین و إبن عمّه عليّ بن أبیطالب (ع) و نسأل الله تبارك وتعالی التوفیق لمعرفته بكلّ ما في وسعنا.
إنَّ أمیرالمؤمنین عليّ بن أبیطالب(ع) هوالذي ربّاه سیّد الأنبیاء و المرسلین المصطفی الأمجد أبو القاسم محمّد(ص). و قد توصِّل ذلك الإنسان العظیم إلی أعلی درجات الإیمان بالله تبارك و تعالی بل و بدرجة أعلی من ذلك أي إلی الیقین به عزّ و جلّ، كما نری بیان ذلك في قوله(ع) «إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ أَمْرِي» ([1]) و في بیاناتٌ أخری قال فیها (ع): «مَا شَكَكتُ فِي الحَقِّ مُنذُ رَأيتُه» ([2]) «مَا أَنكَرْتُ اللَّهَ تَعَالَی مْذُ عَرَفتُه » ([3]) « لَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ مَا إزْدَدْتُ يَقِيناً »([4])
و هكذا نری أنّه كان یعبد الله تبارك و تعالی بأعلی درجات الیقین ، حیث أنَّه كان یری الله جلَّ و علا بعین الیقین في قلبه السلیم الخالي من أِّيِّ شك أثناء العبادة بل و لم یكن لیغفلَ حتی و لو لطرفة عینٍ عن ذكره و شكره و التسبیح بحمده.
و من جملة أقواله(ع) «ما رأيت شيئا الّا رأيت اللَّه قبلَهُ وَ مَعَه وَ فیه» ([5]) وقد سأله أحدٌ قائلاً «هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟» قال في الجواب: «لَا تُدْرِكُهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ العَيَانِ وَ لَكِنْ تُدْرِكُهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ قَرِيبٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيْرَ مُلَابِسٍ بَعِيدٌ مِنهَا غَيْرَ مُبَايِن.» ([6])
فإنَّ عبادته كانت عبادة الأحرار العارفین الموقنین الذین یعبدونه من صمیم القلب و یعلمون أنَّه تبارك و تعالی هو الذي ینوِّر القلوب و لا تعزب عنه صغیرة و لا كبیرة . ([7]) و ذلك ما نراه في قوله (ع) مُخاطبًا الباري جلّ و علا « مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَ لَا شَوْقاً إِلَى جَنَّتِكَ وَ لَكِنْ رَأَيْتُكَ أَهْلًا لِلعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك »؛ ([8])
و من أقواله الملیئة بالحكمة و العرفانقوله (ع) «ما رأيت شيئا الا رأيت اللَّه قبله و معه وفیه »([9]) و قال في جواب الذين سألوه « هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ»؟ قال في الجواب: «لَا تُدْرِكُهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ العِيَانِ وَ لَكِنْ تُدْرِكُهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ قَرِيبٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيْرَ مُلَامِسٍ بَعِيدٌ مِنهَا غَيْرَ مُبَايِن»؛ ([10])
إنَّ إخلاصه في العبادة (ع) كان في أعلی الدرجات و ذلك ما نراه في قوله : «بِالإِخلَاصِ يَكُونُ الخَلَاصُ»؛([11]) و قد عرّف الإخلاص للباري عزّ و جلّ في قوله (ع) « المُؤْمِنُ مَنْ كَانَ حُبُّهُ لِلَّهِ وَ بُغضُهُ لِلَّهِ وَ أَخذُهُ لِلَّهِ وَ تَرْكُهُ لِلَّه » ([12]) أي أنَّ المؤمن هو الذي یحبُّ ما یحبُّ الله و یبغض ما یُبغضُ الله و یأخذ ما یحبُّ الله أخذه و یترك ما یحبُّ الله أن تركه.
و من مظاهر إخلاصه و محبّته للمولی العزیز الرؤف كان لطفه و محبّته لزوجته سیّدة نساء العالنین فاطمة الزهراء (ع) و أبنائه الكرَماء الحسن و الحسین (ع) سیّدي شباب أهل الجنّة ، هم الذین أطعموا ما كانوا قد هیّأوه لإفطارهم مسكینًا جائعًا قد طرق بابهُم في یومٍ و ثمَّ یومًا بعد ذلك قدّموا إفطارهم إلی یتیمٍ و في الیوم الثالث إلی أسیرٍ و عندئذٍ نزلت سورة الإنسان المباركة و فیها ما جاء في قوله تعالی: « وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) »
إنّه كان (ع) خیر النماذج للأخلاق الحسنة و قال أنَّ « حُسْنُ الخُلُقِ يُورِثُ المَحَبَّةَ وَ يُؤَكِّدُ المَوَدَّة » و في روایة أخری عن قوله (ع) « و عليك بحُسن الخُلقِ فإنَّهُ يكسبك المَحَبّة » ([13])
و كان (ع) هو و زوجته فاطمة الزهراء سیّدة نساء العالمین (ع) متشابهَین في كونهم خیر أسوة للأخلاق الحسنة لدرجة لا مثیل لها إلّا في زمرتهم و كانت المودّة المتقابلة فیما بینهما ملیئة بالتوافق في الحسنات و تقدیرُ كلٌّ منهم للآخر بأعلی الدرجات و كان (ع) یقول فیما یخصُّ زوجته ما محتواه: « أُقسِمُ بالله لم أُكرِهها للقیام بأيِّ عملٍ و لم أسبِّب لها الأذی و لا أن عملتُ ما یثیر غضبها عليَّ إلی أن دعاها الله تبارك و تعالی إلیه جلّ و علا. و لا أن سبَّبَت لي الأذی حتی لذرّة و لا أن خالفت لي رجاءً و حین كنت أنظر إلی وجهها الكریم كان یزول عنّي كلّ غمٍّ و همٍّ و كدورة و حزنٍ» ([14]) وأمّا ما یخصُّ التعامُل مع الزوجة فإنّه قال ما محتواه:«لا تظلموا نساءكم ولا تحرموهنَّ من حقوقهنَّ.» ([15])
إنّه(ع) قد أدّی ما كان علی عاتقه من الواجبات فیمایخصُّ تربیة الأولاد بأحسن ماكان وفقًا للتعالیم التي هي في القرآن الكریم وقال فیمایخصُّ تربیة الأولاد والبنات علی حدٍّ سواء«لاتُؤدِّبوا أولادَكم على آدابِكُم فإنَّهُم مَخلُوقُونَ لِزمَانٍ غير زمانِكُم»([16])
كما و أنّ أمیرالمومنین (ع) وصّی كلّ إنسان للتعامُل مع الآخرین بالإحسان و الإحترام لحفظ كرامتهم كما نری بیان ذلك في وصیّته لمالك الأشتر قال فیها : « وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ »؛[17]
ومن وصية له للحسن والحسين(عليهم السلام) لما ضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قال فیها : « أوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَأنْ لاَ تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا وَلاَ تَأْسَفَا عَلَى شَيْء مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا، وَقُولاَ بِالْحَقِّ وَاعْمَلاَ لِلأجْرِ وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَ لِلْمَظْلُومِ عَوْناً.»
نسأل الله تبارك و تعالی التوفیق لمعرفة حُرمَةِ القوانین الإلهیّة و معرفة رسوله و الأئمّة المیامین و أن نعمل بوصایاهُم في المحیط العائلي و أن یرحمنا جمیعًا و أن یحفظ عوائلنا بلطفه منّه تبارک و تعالی. و أن یمنَّ علینا بالتوفیق للإیفاء بالعهود الإلهیّة طوال الحیاة و أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی و التوفیق لطاعته و التوجـُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ والإیمان له تبارك و تعالی و لرسوله الكریم و الأئمّة المیامین من أهل بیته (ص) و العمل الصالح في سبیل الله جلّ و علا.
والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته
[1] . نهج البلاغه، خطبه22.
[2] . نفس المصدر، خطبه، 4.
[3] . تميمى آمدى، عبد الواحد بن محمد، غرر الحِكم و درر الكلم، ص684، تحقیق السيد مهدى الرجائى، قم، دار الكتاب الإسلامي، الجزء الثاني،1410ق.
[4] . ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج7، ص253، تحقیق، محمد ابوالفضل ابراهيم، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، الجزء الأول، 1404ق. و التمیمی الآمدی، نفس المصدر، ص566.
[5]. صدر الدين الشيرازى، محمد بن ابراهيم، شرح أصول الكافي( صدرا)، ج3، ص432، تحقیق محمد الخواجوى، طهران، مؤسسه المطالعات و التحقيقات الحضاریّة، الجزء الأول،1383ش.
[6] . نهج البلاغة، الخطبة ، 179.
[7] . ابن ابی الحدید، نفس المصدر، ج10، ص157.
[8]. علامه حلى، حسن بن يوسف، نهج الحقّ و كشف الصدق، ص248، بیروت، دار الكتاب اللبناني، ج اول،1982م.
[9]. صدر الدين شيرازى، محمد بن ابراهيم، شرح أصول الكافي( صدرا)، ج3، ص432، تحقیق محمد الخواجوى، طهران، مؤسسة المطالعات و التحقيقات الثقافیّة، الجزء الأوّل،1383ش.
[10] . نهج البلاغه، خطبة، 179.
[11]. الشيخ حر العاملى، محمد بن حسن، وسائل الشيعة، ج1، ص59، مدینة قم في إیران، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، ج اول، 1409ق.
[12] . تميمى الآمدي، نفس المصدر، ص93.
[13]. آمدی، نفس المصدر ، ص443.
[14] . مجلسی، بحارالانوار، ج43، ص31. (وفقًا للنسخ الخطّیّة)
[15]. نفس المصدر ، ج77، ص407. (وفقًا للنسخ الخطّیّة)
[16]. ابن ابی الحدید، ج20، ص267.
[17]. نهج البلاغه، نامه53.