الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله الدكتور رضا الرمضاني
30.12.2016
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا ونبيّنا محمّد صلّی الله عليه وعلی آله الطاهرين واصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه.
إن معرفةَ دورِ الدينِ في حياةِ الإنسانِ، من أهمِ المسائلِ المؤثرةِ على مستقبلِ أيِّ شخص. إلى أيِّ مدى يساعدُ الدينُ الإنسانَ على التطورِ والتكاملِ؟ هل هناك حاجةٌ ضروريةٌ للدينِ في مجتمَعِنا المعاصرِ بحيثُ لا يمكنُ العيشُ من دونه؟ أم أنه لا دورَ للدينِ على الإطلاقِ في حفظ البشر، ولا حاجةَ لوجوده المحوري في الحياة، ويكفي أن يوجدَ على هامِشِها ليحصلَ الإنسانُ على بعض إيجابيَاتِه الروحيةِ؟
من النقاطِ المهمةِ في هذا المجالِ معرفةُ أنه هل الدينُ أمرٌ حقيقيّ؟ أم أنه نتاجُ العقلِ البشري؟ وبعبارةٍ أخرى هل نتيجةُ الوهمِ والخيالِ سرى بين المجتمعاتِ؟ هناك أيضاً أسئلةٌ أخرى عن “الدين” من الضروري الإجابةُ عنها لا سيما في الظروفِ التي نعيشُها اليومَ، ولا بدَ من التوصّلِ إلى حقيقةِ الأمر.
الدين واقع لا سبيل إلى إنكاره
لا شك أنَّ الدينَ اليومَ واقعٌ في المجتمعاتِ، وقد قُسّمَ الدينُ برؤيةٍ أوسعَ إلى سماوي وبشري، أو إلى دينِ وحي و دينِ من غير وحي. وقد نسبَ البعضُ أصلَ الدينِ إلى ثلاثةِ تياراتٍ رئيسيةٍ في العالم، منها ذو جذورٍ هنديةٍ كالهِندوسيةِ والبوذيةِ، و ذو جذور صينية كالكونفوشيوسية ـ والطاوية، والثالث أديانُ غربِ آسيا (الشرق الأوسط) كاليهوديةِ والمسيحيةِ والإسلام.[1]
من الواضح أن المعنى اللُغَوي للدينِ لن يُمكّنَنَا من معرفةِ ماهيتِه، فلا بدَ لنا من اللجوءِ إذن إلى التعاريفِ الإصطلاحيةِ. لكنَّ التعرّفَ على المعنى اللُغَوي يساعِدُنا على فَهمِ المواردِ التي جاءت فيها كلمةُ الدينِ في القرآنِ والرواياتِ، وهذا أمرٌ مهمٌ بالنسبةِ لطالبِ الحقيقةِ.
المفهوم اللغوي للدين
إنّ كلمةَ “دين” من الكلمات المشتركة بين اللغات الإيرانية والسامية، وقد استخدمت بمعنى “الضمير، القانون، الحق، القضاء، النهج”.[2] وقد استُخدِمت في اللغة العربية بمعنى “الجزاء، الحساب، الطاعة، التسليم، الحُكم والعادة”.[3] وقد عدّ بعضُ الباحثين اللُغَويين العربِ أنّ المعنى المحوري والأساسي في الدينِ هو الطاعة والإنقياد، وأن المعاني الأخرى من فروعه ومصاديقه.[4]
معاني كلمة دين في القرآن الكريم
وردت كلمةُ “دين” في القرآن أكثرَ من 90 مرة، واستُخدِمت بمعنى “الثواب والعقاب، الطاعة والعبادة، القضاء والحكم، العقيدة، التسليم والشريعة” ففي الآيات التالية مثلا: «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ»،[5] «الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ»،[6] «وَ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ
الدِّينِ؟!»،[7] «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ!»،[8] وردت فيها كلمةُ الدين بمعنى الثواب والعقاب. وفي الآية «وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ؟!»،[9] و الآية الشريفة «قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ؛ »،[10] جاءت كلمةُ الدين بمعنى “الطاعة والعبادة”. وفي الآية «مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ (فرعون مصر) إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ»،[11] جاءت بمعنى القضاء والحكم.
أما كلمةُ “دين” في هذه الآية «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»،[12] فمعناها العقيدة، وفي آية «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ»،[13] تعني “التسليم” وفي آية «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ»،[14] و آية «أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ»،[15] جاءت بمعنى النهج أو الشريعة. وقد جاءت كلمةُ “دين” في كلام الأئمة عليهم السلام كذلك بمعانٍ متنوّعة وكثيرة.[16]
مفهوم الدين عند المفكرين الإسلاميين والغربيين
الجديرُ بالذكرِ أنّ هناك تعاريفٌ كثيرةٌ للدين، وقد سعى الكثيرون لتقديمِ تعريفٍ دقيقٍ شاملٍ، لكنّ بعضَ الباحثين ذكَرَ أنّ تعريفَ الدين أمرٌ غير ممكن لما برز من إشكالاتٍ في هذا المسعى، فأحدُ العلماء على سبيل المثال “دبليو سي سميث” يقول حول معنى الدين والغايةُ منه: “لعلّ من المناسب القولُ إنه إلى الآن لم نعثر على تعريفٍ متقنٍ و متفقٍ على صحته للدين، وليس لدينا تعريف شامل (يشمل جميع الأديان)”.[17]
فمن التعاريفِ التي قدمَها أحدُ العلماء الغربيين للدينِ هي أنه “إيمانٌ مستقلٌ عن الحُسن والعقل، يجعلُ رَغماً عنهما البشرَ قادرين على إدراكِ الوجودَ اللامتناهي”.[18] إذا دققنا في التعريفِ سنجدُ أن الصفةَ التي يحملُها الإنسانُ المتدينُ ـ أي الإيمان ـ قد أُطلِقَ عليها إسمُ الدين، مع أنّ الإيمانَ شيءٌ تابعٌ للدين وليس هو الدينُ نفسُه. وقد غفِلَ هذا التعريفُ أيضاً عن ذكرِ البعدِ العملي في الدين، في حينِ أنّ الأعمالَ التي يطلبُها الدينُ تماثلُ العقائدَ والإيمانَ في الأهمية.
أما العلماءُ المسلمون فذكروا في تعريف الدين أنه الإعتقادُ بخالق العالمِ والإنسانِ والتكليفُ العملي الملائمُ لهذه العقيدة؛ و بعبارة أخرى: الدين مجموعةٌ من العقائدِ والاخلاقِ والأحكامِ التي أنزلَها اللهُ لينالَ البشرُ بها سعادةَ الدنيا والآخرة. ولذا يمكنُ القولُ إنّ الدينَ يتألفُ من قسمين:
1ـ العقيدةُ أو العقائدُ التي تمثّلُ الجذورَ والأصولَ للدين.
2ـ التوصياتُ الأخلاقيةُ والعمليةُ الملائمةُ لتلك الأصول، والتي تمثّلُ الفروعَ والنتائجَ بالنسبة إليها.
الخاتمة
هنا لا بدَ من التذكير أن المعرفةَ الصحيحةَ للدين، تتوقفُ على مراجعةِ مصادرِه الأساسيةِ؛ التي يمكنُ التعرفُ عليها عبرَ أصحابِ الإختصاصِ وعلماءِ الدين. على سبيل المثال، التعرفُ على الإسلام يمرّ عبرَ استقاء معارفه الحقيقية من القرآن وأحاديثِ
النبي الأكرمِ صلى الله عليه وآله والأئمةِ المعصومين عليهم السلام. كما لا بد من طلبِ المساعدةِ ممّن هم متمكّنون في مجال هذه المصادر.
والحمد لله رب العالمين
[1].گونک، هانس، ساحتهای معنوی ادیان جهان، ترجمه حسن قنبری، ص9.
[2]. معین، محمد، فرهنگ معین، ج2، ص1597.
[3]. ابن منظور، محمد بن کرم، لسان العرب، ج13، ص169ـ172، بیروت، دارصادر، چ سوم، بیتا.
[4]. ابن فارس، احمد بن فارس، معجم مقاییس اللغة، ج2، ص319، قم، مکتب الاعلام الاسلامی، چ اول، بیتا.
[5]. الفاتحة/4.
[6]. المطففین/11.
[7]. الانفطار/17.
[8]. الشعراء/82.
[9]. النحل/52.
[10]. الاعراف/29.
[11]. یوسف/76.
[12]. البقرة/256.
[13]. آل عمران/19.
[14]. الکافرون/6.
[15]. آل عمران/83.
[16]. محمدی ری شهری، محمد، میزان الحکمة، ج4، ص174، قم، موسسه دار الحدیث، چ یازدهم، 1389ش.
[17]. جعفری، محمد تقی، فلسفه دین، ص31.[18]. تعریف مارکس مدار از دین ـ در کتاب ابوالقاسم فنائی، درآمدی بر فلسفۀ دین و کلام جدید، ص 111.