الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله الدكتور رضا الرمضاني
06.01.2017
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه (جزء من دعاء الإفتتاح) وصلّی الله علی سيدّنا ونبيّنا محمّد صلّی الله عليه وعلی آله الطاهرين واصحابه المنتجبين. عبادالله ! أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه.
على الرغم من تقديم تعاريف متنوعةٍ للدين، لم يعثر العلماءُ المسلمون على تعريف يحظى برضا الجميع؛ حيث انصبَّ كلُ تعريفٍ بشكل عام حولَ أحدِ أبعادِ الدين، فخرجَ عن كونه شاملاً، إلا أن هناك نقطةٌ مشتركةٌ جرى التأكيدُ عليها في جميع التعاريف، وهي أن الإنسانَ يحتاجُ إلى سلسلةِ قوانينَ للوصول إلى الهدف من خلقه، وهو القربُ الإلهي، وهذه القوانينُ لا بد أن تأخذَ بعين الإعتبار جميعَ أبعادِ وجود الإنسان، وهي قوانينٌ وآداب توصلُ من يلتزمُ بها إلى سعادة الدنيا والآخرة.
تعريف الدين عند العلامة الطباطبائي (رحمه الله)
عرّف العلامة (رحمه الله) “الدين” بأنه سلوكٌ في الحياة الدنيا يتضمنُ صلاحَ الدنيا بما يوافقُ الكمال الأخروي، والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه، فلا بد في الشريعة من قوانينَ تتعرضُ لحال المعاش على قدر الإحتياج.[1]
ويقول رحمه الله في مورد آخر:
«من الواجب أن يُتّخذ الدينُ ـ أي الأصول العلمية والسنن والقوانين العملية التي تضمن باتخاذها والعمل بها سعادة الإنسان الحقيقية ـ من اقتضاءات الخلقة الإنسانية وينطبقُ التشريعُ على الفطرة والتكوين، وهذا هو المراد بكون الدين فطرياً، وهو قوله تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها»[2]».[3]
إذا تمعّنّا في هذين التعريفين سنجدُ أنهما يعرّفان لنا الدينَ الحقَ في أعلى مراتبه، بحيث ترتبطُ فيه معرفةُ اللهِ ومعرفةُ الإنسانِ بالواقع. الإنسانُ بحاجةٍ إلى برنامجَ يتناسب مع شأنه و أخذ قابليّاته المودعة بعين الإعتبار؛ برنامجٍ يضمن تطبيقه نيل الحياة الأبدية والكمالات الروحية والأخروية قدر المستطاع.
فلسفة الدين والإيمان به
أهمُ ما في حياةِ الإنسانِ الدينيةِ هي معرفةُ الطريقِ الصحيح، لأنّ هذه المعرفةَ تؤدي إلى تقوية الإيمان، ومتى ما حصل الإيمانُ وترسّخَ الإعتقادُ، سيتجه الإنسانُ نحو الإلتزام والتديّن، لينالَ بعد ذلك بركاتِ التديّنِ على الصعيد الروحي. فالتديّنُ إذن مرحلةٌ لاحقةٌ، تأتي بعد معرفةِ الدين وبعد الإيمانِ به.
العارفُ بالدين والمؤمنُ بمعرفته هو الذي ينعمُ ببركاتِ الحياةِ الدينية، هذه البركاتُ الضروريةُ على الصعيدين الفردي والإجتماعي، والحكمةُ من وجودِ الدين بالتالي نابعةٌ من الحاجاتِ الحقيقيةِ عند البشر. ولهذا أنزلَ اللهُ شريعتَه للبشر، وقدّم لهم طريقَ الوصولِ إلى الهدف، وهذا من لطفِه عز و جل لينقذَ عبادَه من الحيرةِ والضياع، وقد اختارَ اللهُ تعالى أطهرَ البشر للقيام بمهمة هداية الناس وإرشادهم.
فما يُتداول إذن حولَ فلسفةِ وجودِ الدين من أنه نتيجةُ عواملَ من قبيلِ الخوفِ والجهلِ على الصعيد العلمي أو الجهلِ بالذات… وأن هذا ما يدفعُ الإنسانَ للجوء إلى الدين والمفاهيمِ الدينية، كلامٌ غيرُ واقعي ولا يستندُ إلى معرفةٍ حقيقيةٍ. وخلافاً لما يتصوّرُ هؤلاء، ما يدفعُ الإنسانُ للتوجّه إلى الدين هو الميولُ الفطريّةُ لديه، مدعومةً بحكم العقل.
لقد وقى اللهُ عز وجل عبادَه من الذلِ والحيرةِ بإيداعه حجةٍ باطنيةٍ فيهم هي “العقل”، وأردفَ ذلك بحجةٍ ظاهريةٍ أي الرسولُ المرشدُ، وبذلك أتمَّ اللهُ حجته لكي لا يبقى لأحد عذرٌ. طبعاً هناك الكثيرُ من المواضيع التي تُبحث في فلسفة الدين، كالبحوث المعرفية والوجودية والنفسية و… هي مواضيع تطرح في محلّها.
الدين حاجة ضرورية للإنسان
على الرغم من تمكّنِ البشرِ في العصر الحالي من توظيفِ التحولاتِ العلميةِ في تحسين رفاهيةِ العيش، إلا أن الحاجةَ إلى الدين لا زالت على حالها، والسببُ في ذلك أن الإنسانَ يحتاجُ إلى قانونٍ إلهي يمكّنهُ من الوصول إلى أهدافه في مختلفِ أبعاده الوجودية، ويحققُ له النموَ والتعالي والتكاملَ؛ وهذا من الضروراتِ التي لا تُنكر. فعلى الإنسان إذن أن يرسمَ نهجَ حياتِه على خط الحقِ والدين، انصياعاً للأمر الإلهي، لأن اللهَ عز و جل هو الذي أوجدَ الإنسانَ على هذه الهيئةِ، ولا يمكنُ للإنسان أن يحصلَ على العزةِ أو الطمأنينةِ الحقيقيةِ أو المعرفةِ أو الحكمةِ دون التمسكِ بالدين. نستطيعُ القولَ إن الإنسانَ الفاقدَ لجوهرةِ الدين لن يتمكّنَ من الوصولِ إلى الهدف الأساسي وإلى الحكمةِ من خلقه.
وبهذا نكتشفُ أن الإنسانَ بحاجةٍ إلى الوحي لتحقيق سعادته في الدنيا والآخرة أياً يكن مقامُه ودرجتُه، وهذا ما ينبغي التعاطي معه بجديةٍ، فلا يسمح بوضع الدينِ على هامش الحياة؛ الدينُ الذي يستطيعُ القيامَ بدور الهدايةِ على أكملِ وجه؛ الدينُ الذي يؤدي الدورَ الأكبرَ في كشف الطريق لنا، وهو الدينُ الحنيفُ كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: «إنَّ خَيرَ الدّينِ عِندَ اللّهِ الحَنيفِيَّةُ السَّمحَةُ (الدين السهل والمستقيم)».[4]
معيار الدين الحق
نستنتجُ من ما مرّ معنا أن معيارَ الدينِ الحقِ، هو موافقتُه للفطرةِ الإلهيةِ والإنسانيةِ، ولذلك عندما نعرفُ الدينَ جيداً سنكتشفُ أن لا معنى للحياة بدونه، وهذا ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام في قوله: «لا حَياةَ إلّا بِالدّينِ، و لا مَوتَ إلّا بِجُحودِ اليَقينِ».[5] فالدينُ هو الذي يحقق العزة للإنسان، بشرط الإيمان طبعاً، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «الدِّينُ عِزٌّ، والعِلمُ كَنزٌ، والصَّمتُ نورٌ».[6] إذن لا بدّ من الإهتمام بأمر الدينِ اهتماماً بالغاً، كما قال الإمام الصادق عليه السلام: «أَحْكِمْ أَمْرَ دِينِكَ كَمَا أَحْكَمَ أَهْلُ الدُّنْيَا أَمْرَ دُنْيَاهُمْ».[7]
[1]. طباطبايى، محمدحسين، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص130، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، چ دوم، 1390ق.
[2]. همان، ج16، ص193.
[3]. الروم/30.
[4]. كاتب الواقدي، محمّد بن سعد، الطبقات الكبرى، ج3، ص395، بيروت، دار صادر، بیتا.
[5]. شیخ مفيد، محمد بن محمد، الإرشاد، ج1، ص296، قم، كنگره شيخ مفيد، چ اول، 1413ق.
[6]. اربلى، على بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج2، ص346، تبریز، بنى هاشمى، چ اول، 1381ق. و مجلسى، محمد باقر، بحار الأنوار، ج75، ص79، ح56، بیروت، دار إحياء التراث العربي، چ دوم، 1403ق.[7]. كلينى، محمد بن يعقوب، الكافي، ج8، ص234، ح337، تهران، دار الكتب الإسلامية، چ چهارم، 1407ق.